بعد ان استقرت الطائرة في السماء نظرت من الشباك اتابع تحركات كتل السحب البيضاء في شكل رائع يساعد على استرجاع الزكريات تذكرت يوم اعلنت الكلية عن فتح باب البعثات للخارج ولان ترتيبي الثالث مكرر على دفعتى فلم يكن لى نصيب بينهم الى ان اعتذر احد المرشحين لاتخذ انا مكانة ، و سرعان ما تمت الاجراءات لاجد نفسي في بلد المتناقضات و الحرية المزعومة امريكا .
اقمنا نحن الثلاثة المصريين في غرفة واحدة و لان تجاربنا في الحياه المستقلة محدودة و تلك هى المرة الاولى لنا خارج البلاد وقعنا في مآزق كثيره كانت كلها بحسن نية لكن زميلىّ تمادوا في الانفلات و الاخطاء ، رغم كل محاولاتى و اصراري على النصح كان يزداد اصرارهم في العناد ، لم يدم الامر طويلاً حيث تم اعادتهم لمصر و انتقل للاقامة معى شاب فلسطينى مكافح شددنا ازر بعضنا البعض و تقدمنا بسرعه في دراستنا ……
افقت على صوت احد الركاب يقول ضاحكاً لجارة في المقعد :
– لالا هو شهر بالكتير و ارجع اللى اتعود على الحياة النضيفة برة استحالة يقدر يرجع لحياتة في مصر تانى .
تذكرت حوارى مع البروفسور ولسون و هو يحاول ان يثنينى عن العودة للوطن و يحيطنى بكل المغريات لاستمر معه في الابحاث خاصة بعد ان وصلنا لمنعطف خطير قد يغير نظريات كثيرة اصبحت امر مسلم بة ، و كيف انهى حوارة معى بعد ان ياس في اقناعى قائلاً:
– حسناً .. ساعتبرها اجازة لتعيد حساباتك و سانتظر عودتك يوما … و ستعود .
افقت على الراكب المتحدث ذو الصوت العالى يقول : ارجع لمين ؟!! و اعلم مين ؟!! دى الناس برة بتعرف ازاى تتقدم و ازاى تخلى كل حياتها منظمة و نظيفة و تعرف كويس اوى قيمة الدقيقة عكسنا تماماً .
جاهدت نفسي حتى لا اشترك في الحديث لكن استفزنى قولة لجارة الذى لم اسمع صوتة منذ بداية الحوار :
– يا سيدى الفاضل دى بلد شعارات و لولا ان الواحد مخة نظيف شوية كان زمانى موحول في البلد دى زى ملايين الشباب هناك .
– استدرت الية – الاستاذ بيشتغل اية برة ؟
– استاذ ؟؟!! – قالها بتهكم ثم اكمل بكبرياء – انا دكتور متخصص في المحاصيل الزراعية و حاصل على الدكتوراة من جامعه الاباما الامريكية .
– ما شاء الله .. و اية سبب رجوعك بلدك و حضرتك زى ما سمعت مرتاح برة ؟؟
– ابدا يا سيدى … انا دعيت لمؤتمر في القاهرة و كمان محاضرتين في كلية الزراعه جامعه اسكندرية اهو اروح انضف مخ العيال شوية من الكلام الفاضى اللى بيدرسوة .
– و يا ترى حضرتك درست برة في مجال الزراعه بس ؟؟
– آة طبعاً … اومال يعنى انا الاول على دفعتى في كلية الزراعه اسافر اخد الدكتوراة في الطب مثلاً – قالها ضاحكاً
– اسف يا دكتور التعبير خاننى انا اقصد ان اول شئ يلفت نظر اللى بيسافر زى ما حضرتك اشرت من شوية النظام ، النظافة ، قيمة الوقت .
– ايوة فعلا انا قلت كدة بس دة اية علاقتة بالتخصص ؟
– علاقة كبيرة اوى يا دكتور … لو يتسع لى صدرك اوضحها .
– اتفضل – قالها بسخريتة المعهودة من اول الحوار –
– اية اللى في تركيبة الانسان الامريكى مش في الانسان المصري ؟؟ و لا حاجة نفس التركيبة لان الانسان هو الانسان في كل مكان لكن الفرق في الوطنية اللى بيفلسفوها غلط في بلدنا بأنها لسان طويل يخبط بية شمال و يمين ، لكن الوطنية الصح هى العمل المتواصل في اى موقع و اى مجال و الاتقان و التفانى فية نطبق تعاليم ديننا يا دكتور ، الناس برة قدراتهم مالهاش حدود عارف لية ؟؟ لانهم بيتعلموا اللى بيحبوة فبيؤمنوا بية و علشان كدة بيقدرو يطبقوة صح لان دافعهم هو الحب و الايمان .
– صح ما دا اللى انا قولتة بلد شعارات
– اسمحلى يا دكتور و دة مش عيب الشعارات الصح الهادفة بتكون نور ينور الطريق علشان نمشي علية مش نكتفي بس بتعليقها على الحيط زى مثلاً ” خيركم من تعلم العلم و علمة ” و دة دورنا اننا نخليها بلد افعال مش نهرب منها و نسئ لسمعتها برة و جوة … و لا اية يا دكتور ؟؟
– و حضرتك بتشتغل اية باه ان شاء الله و بقالك اد اية برة ؟؟ قالها في حنق واضح –
– استاذ دكتور في جامعه كاليفورنيا في مجال الذرة و بقالى عشرين سنة خارج الوطن بسبب الدراسة و بسبب المغريات اللى لسة محوطانى للان لكن اصريت انى ارجع علشان اطبق و اعلم اللى اتعلمتة مش في العلم بس لا في الحياه عموما كمان … على فكرة يا دكتور احنا متعلمين دة من زمان لكن محتاجين بس اللى يفكرنا و يصحى الضمير جوانا .
– فإذا براس محاور الدكتور الاول تخرج من خلف كتفة .. ينظر الىّ في حب و امتنان فائلاً :شكراً يا دكتور ساعدتنى في حسم قرارت كتير كنت متردد في اتخاذها ربنا يعز بلدنا بولادها كمان و كمان .
قاطعنا مجئ طاقم مضيفات الطائرة و قيامهم بتوزيع الوجبات ، افتعل دكتور الزراعه انشغالة بالتهام وجبتة بينما بادلنى جارة بنظرة امتنان اخرى
شردت قائلاً و انا ابتسم : ساعدتة في حسم قراراتة و انا لسة بعيد حسابات قراراتى – فتحت وجبتى ، بدات في التهامها قائلاً – لا حسابات في حب الوطن .
رين سمير
اهداء الي من اعاد للوجود الوانه