كنت اجري كالمجنونة في كل اتجاه ، دليلي مطرب مشهور ، ما أن يشير إلى اتجاه فأنطلق كالفرس الجامح حتى اصل إلى مفترق طرق اقف اسأله أي اتجاه حتى وصلنا إلى غرفته ، قابلنا الطبيب خارجاً من عنده ، نظر إلىَّ قال : سعاد – لم اعرف كيف عرفني لكن ذلك لم يشغلني فكل ما كان يشغلني هو صحته – أردف الطبيب أسرعي انه يحتضر ، انه لم يكف عن السؤال عنك .
اندفعت إلى داخل الحجرة وجدت زوجته بجواره و أحد أقاربه ، هالني وجهه الشاحب و عيناه المعلقتان بالباب كأنه كان يعلم بدخولي الآن ، أسرعت إليه أمسكت يده كانت باردة كالثلج ، نظر إلىَّ ابتسم ابتسامة شاحبة قال بصوت هامس من شدة آلامه :- أنتِ أجمل من الصورة !
ابتسمت و دموعي تبلل وجهي امسك بقطرة منها رفعها من على وجنتي قال :- كم أتمنى الآن لو كنت جوا هرجي .
بصوت يخالجه البكاء : لماذا ؟!
– حتى أصوغ عقد من ذلك الدر آخذه معي حين ارحل .
دفنت وجهي في يده المرتعشة التي لازالت تحتضنها يدي صارخة :- لا – ثم رفعته فجأة ناظرة إليه – لن ترحل ستظل لأجلي – تنبهت لوجود زوجته و أقاربه أردفت – لأجلنا قراءك شاعرتا العظيم .
ابتسم ابتسامه يشوبها الحزن :- سعاد لا تنفقي درك على جسد بالٍ فالإنسان مهما حيا فانٍ ، لن أستطيع أن أكلمك كثيراً لكن كل ما أردت قوله كتبته في قصيده لك أسميتها باسمك سعاد ، أرجوك أقرأيها لي لأشعر إنني أقولها أنا لك .
– لكن هناك سر احب أن أبوح به لك أولا .
نظر بضعف إلىَّ متسائلاً :- ماذا ؟!!
-أنا لست سعاد .. أو بمعنى آخر اسمي ليس سعاد اسمي ………قاطعني لا تقوليه فأنا لا احب اسم بل روح ، شخصيه و ليس في العمر بقيه لتقولي اسمك الحقيقي فأسطر أنا الشعر فيه ، أنا اُشعِر فيك روح و دم ، يكفيني أن تعرفي أنتِ أنها لك ، هيا اقر أيها .
قرأتها بصوت مرتعش يقاطعني بين الحين والآخر بكائي حتى وصلت إلى كلمات مست كل ذرة في كياني حين قال :- ” سعاد .. أنا إن غادرت دنيا حبنا فالهوى عهد سيبقى دون نقدٍ” ساعتها لم أتمالك نفسي من البكاء أمسك يدي قال بصوت واهن :- كيف تتخيلين نفسك معي الآن بعد تلك الكلمات ؟!!
ابتسمت ابتسامه شاحبة محاولة تمالك نفسي :- أتخيل .. كأننا في بستان اخضر مزروع بورود الفل ، ارتدي فستان ابيض و اجلس على أرجوحة من الورود تهزهزني بها بين الحين و الآخر .
– و أنا ماذا ارتدي ؟؟!
– ترتدي .. ترتدي قميصاً ابيض بكم طويل واسع و بنطلون اسود ضيق . ضحك و ضحكت
– أو تدرين ماذا أتمنى الآن ؟؟
– ابتسمت مشجعة له – ماذا ؟؟
– أن يعود الزمن بي خمسة و ثلاثون عاماً .
– كل تلك السنون ، لماذا ؟؟!
– لأنني ساعتها ما كنت أسمح لك أن تخرجي من تلك الغرفة إلا و أنتِ تحملين اسمي ، هيا اكملي القصيدة فهي كل ما تركته لك و إن أراد أن يغنيها- أشار إلى المطرب المشهور الذي كان يقف كجبل من الأحزان – فليغنها إنه يجيد الغناء ، ثم صمت فجأة يعتصر عينيه ، شددت على يده : ماذا بك ؟ بماذا تشعر ؟ أأحضر الطبيب ؟؟
– لقد طلبت منهم أن يضعوا خطاباتك معي عند رحيلي انظري – أخرجهم من تحت وسادته – حتى يظلوا معي في حياتي و مماتي ، أكملي ، دعيني أأرجح أرجوحتك ، ثم ابسم ، قبل يدي كأنه يودعني .
أكملت القصيدة حتى آخر كلماتها :- ” مستقيل و بدمع العين امضي ، هذه الصفحة من عمري و امضي ، لم يعد يمكن أن أبقى هنا فهنا يبكي على بعضي بعضي .. فوداعاً يا أحبائي .. وداعاً .. فأنا متعب والعين تحتاج لغمضِ .. وداعاً “
نظرت إليه كان وجهه الشاحب مبتسماً ، عينيه مدمعة تنظر إلى لا شئ ، أنفاسه رحلت عن صدره ، أمسكت يده استحثه على الرجوع لكن دون جدوى دفنت وجهي في راحة يده ابكيه ، أمسكت كتفي يدٍ قويه أدرت وجهي إليها إنها زوجته ، نظرت إليها ربتت على كتفي ثم أوقفتني :- لقد احبك كثيراً يا سعاد :
– اسمي ليس سعاد اسمي……
ابتسمت بتهكم مقاطعة كلماتي :- سعاد ..- نظرت إليه – خيال وهم . ثم تركت الغرفة و خرجت دون أي تأثر .
عدت إليه : الآن عرفت لماذا كنت تبحث عن سعاد .. أي سعاد.