فتحت الشباك ، بدأت أرتب مكتبه ، أزيل الأتربة عنه بعد أن انتهيت من تنظيف الشقة بأكملها فإذا بورقه مسطور عليها شعر تقع في يدىّ و كان عنوانها ” أحبك جداً “.
تذكرت هوايته القديمة في كتابة الشعر ، جلست أقرأ ما سطر :
” أحبك جداً و أعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل
و أعرف أنك ست النساء و ليس لدىّ بديل “
دق في أذني جدلي مع أمي يوم جاء يخطبني :
– لا يا أمي لن أستطيع الزواج منه إنه ابن أمه ما تقوله دستور ما تأمر به قانون واجب التنفيذ
– يا بنتي أمه ست طيبه و تحبك
– الآن فقط حتى نتزوج ثم تبدأ حركات الحموات
– انتما لن تقيما معها وهو شاب طيب ، ممتاز ، مريح في التعامل و يحبك ، بصراحة أنت لا يصلح معكي إلا هذا الشاب
– أنا !! لماذا ؟؟؟
– لأنك قوية الشخصية مستبدة برأيك ولن ترتاحي إلا مع شاب مثله
تزوجنا و قاسيت في البداية من انقياده المستمر لأراء و أوامر والدته لكن العمر لم يمهلها كثيراً فلقد توفيت بعد سنتين فقط من زواجنا و منذ تلك اللحظة لاحظت تحول رهيب في كل تصرفاته فكل ما أقوله أمر مسلم به ، ما أطلبه واجب التنفيذ ، ما أشير عليه به هو الصواب حتى اختنقت بحبال طاعتة العمياء .
عدت إلى الورقة لتقع عيناي على بيت يقول :
” أعرف أن زمان الحنين انتهى و مات الكلام الجميل ” لأتذكر الشجار الدائم من جهتي أنا حتى في لحظات الود بيننا كنت جافه جداً و أعنفه باستمرار .
تنهدت وأكملت باقي القصيدة :
” احبك جداً و أعرف أني أعيش بمنفى و أنت بمنفى وبيني وبينك ريح وغيم وبرق و رعد وثلج و نار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهم وأعرف أن الوصول إليك انتحار “
أتذكر صوته الباكي و هو يتوسل لوالدتي في منزلها كي تقنعني بالعودة إليه أتذكر كلماته :
– أرجوك استحلفك بالله أنا لا أستطيع الحياة بدونها أقنعيها أن تعود ، لا لا..أحدثها أنا أرجوك أحدثها وسأقنعها .
– كم كنت عنيدة و مصره على عدم الرجوع أليه و لولا المشاحنات التي كانت مستمرة بيني وبين زوجة أخي لاستبدادي برأيي لما عرفت مدى النعمة التي كنت أعيشها معه في بيتي و ارجع أنا من تلقاء نفسي إليه ، تذكرت خوفي و أنا أدق جرس الباب من أن يطردني بعد كل ما فعلته به لكنه أسرني بحبه وعطفه تذكرت شكله الرث ، ذقنه الطويلة ، بيجامته المتسخة المفتوحة الأزرار ، نظرة الإنكسار في عينيه التي تحولت ألي فرح و دهشة عندما رآني احمل حقيبة ملابسي أمامه حملها عني و ادخلها غرفه النوم لأفاجأ أنا بالشقة المتسخة و ملابسه الملقاة في كل مكان و رائحة السجائر التي تعبئ البيت أسرعت فتحت الشبابيك و بدأت في التنظيف ، هرول إلى :لا ، لا تفعلي شئ أنا من سيفعل كل شئ .
– أعدت للسجائر مرة أخرى .
– لن تدخل سيجارة بعد الآن بيتي ، وعد .
– هل يوجد شئ في الثلاجة للغذاء ؟
– لا فهي فارغة .
– حسناً اترك أمر تنظيف الشقة لي واشتري أنت لنا شئ أعده للغذاء و خزين للثلاجة .
– لا سأحضر أنا شئ جاهز ، لا أريد أن أتعبك أم من الأفضل أن نتناوله في الخارج لنحتفل بعودتك؟؟
– أنت تعرف إنني لا احب أكل المطاعم ،هيا احلق ذقنك و استحم لتخرج .
– حالاً ، و هرول مسرعاً لينفذ ما قلت .
– انهمكت أنا في تنظيف الشقة حتى انه خرج دون أن اشعر ، عدت للورقة مرة أخرى لتتابع عيني مدى ظلمي له ” ويسعدني أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
و لو خيروني لقررت حبك للمرة الثانية “
– كم أنا غبية كيف لم اشعر بكل هذا الحب ؟؟ اندفعت دمعتان يأملان أن يمحيا جزء مما اقترفته به ، عدت للورقة لأتابع باقي ما سطر :
” يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر يا من حميتك في صدري من قطرات المطر “
تذكرت كيف كان يتركني نائمة و يعد الإفطار كما كان يغسل عني الأطباق أو ينظف الشقة كم كان يجاهد ليسعدني و ماذا كنت افعل أنا ؟؟ أتعسه .
تنهدت و عدت لأقرأ كلمات هزتني و جعلتني ابكي من صميم قلبي ” أيا امرأة تمسك القلب بين يديها سألتك بالله لا تتركيني لا،لا، تتركيني فمن أكون أنا إذا لم تكوني “
تذكرت دموعه ، توسلاته و هو يتشبث بحقيبة ملابسي حتى لا اترك البيت لكن ماذا فعلت أنا ؟؟ اندفعت لأتركه خلفي حطام ، حطام ، صرختها و أنا ابكي.
أكملت باقي القصيدة بصوت عالٍ باكٍ كأنني أوبخ نفسي على ما فعلت به فإذا به يدخل يكملها معي و يقترب مني ” احبك جداً و جداً وجداً و ارفض من نار حبك أن استقيلا
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا وما همني أن خرجت من الحب حياً وما همني أن خرجت قتيلا “
ابتسم ، امسك يدي ، مسح دموعي ، ضمني إلى صدره ، ساعتها شعرت لأول مرة بمدى حبي و تقديري له و مدى ضعفي .
رين سمير
اهداء الي من اعاد للوجود الوانه