جلست تراقب بندول الساعة و دقاته تتردد في أذنيها بصدى يبحث في أعماقها عن ما يذكرها بتلك الدقات المنتظمة ظل الصوت يزيح أتربة السنين حتى علا رنينه داخلها إنه جرس الجامعة . هنا توقفت عيناها عن متابعة البندول ، تحجرت كأنها جمدت لترى ما كان.
جلست أمامه تملؤه الأحزان ووجهه كأنه لشيخ عجوز نالت منه الهموم ما نالت ، صامت لا يقوى على الكلام .
قطعت الصمت في لهفة : ماذا قلت كي ترفض أمي زواجنا ؟!
– لا شئ . لم أقل سوى ظروفي و إمكانياتي !!
– أردفت مستنكرة : لماذا قلت ذلك ألم نتفق على ألا تذكر أي شئ عن هذا !؟
– هتف : ماذا !! و نبدأ حياتنا بالكذب .. لا ..هذا ما لا أقبله .
– تنهدت قائلة : حسناً سأصلح كل شئ . حدثني في المساء و سأخبرك بكل التطورات .
هرولت إلى البيت و كلها آمال باستجابة أمها لدموعها و إلحاحها ، لكن سرعان ما تبخر كل شئ عندما فتحت خالتها الباب لتصعقها بخبر مرض أمها ، جرت إلى السرير فإذا بوجه شاحب يطل عليها كأنه يطل من باب الموت . جزعت ، انهارت على ركبتيها ، اندفعت دموعها تتوسل ليس لانتزاع الموافقة على الزواج ممن أحبت بل كان توسلها إلى الله أن يقف بجوار أمها .
خرجت من الغرفة ، أمسكت خالتها بذراعها و اندفعت في تعنيفها : ماذا فعلت بأمك المسكينة ؟! إنها لا تستحق منك كل ذلك فلقد أصرت على تربيتك بعد وفاة والدك و لم تتزوج حتى لا تعاني من مرارة زوج الأم أو بعد كل ما قلت تستحق منك ذلك ؟!
نظرت إلى خالتها، أجابت دموعها بدلا من لسانها عن مدى حيرتها تركتها و سارت إلى غرفة أمها مرة أخرى. طرقت الباب بطرقات متثاقلة. فتحت الباب بصعوبة كأنه لا يوافق على قرارها – هنا – أفاقت على صوت الباب يغلق فلم تكن تلك طرقات الذكريات بل كانت لأبنتها جلست بجوارها على السرير و دموعها تغسل وجهها قالت وهي تمسك بيد أمها : سأفعل كل ما تريدين لن أتزوجه سأتزوج من اخترت لي لكن عديني أن تشفي عديني أن تناضلي من اجلي . أرجوك يا أمي لا تتركيني .
أدارت الأم وجهها في ذهول ، لتنظر إلى انكسار ابنتها . اختطفتها لتضمها إلى صدرها .
بدأت تسترجع ذكريات لحظة لقائها بزميل ابنتها و والده فما أن رأته حتى تسمرت قدميها و جحظت عيناها فلقد وثب شبح الماضي أمامها انه حبيبها الأول الذي رفضته أمها لم يتغير فيه شئ سوى بعض الشعيرات الفضية التي زحفت على جانبي رأسه لكنه لا يزال يحتفظ بحيويته و وجهه البشوش حتى بريق عينيه لم ينطفئ.
وقفت متحجرة لا تدري ماذا تفعل لقد شلت المفاجأة تفكيرها رددت في أعماقها أو سيغير كونه والده من رفضي لزواجه من ابنتي .
شعرت بدوار شديد و صداع كاد يشق رأسها ، كانت كدقات مطرقة تهوى على رأسها تمنت لو تتوقف ظلت تحرك رأسها بشدة و تعتصر عينيها آملة بان تشعر ببعض الراحة فإذا بيد باردة ترتعش تمسك برأسها و تحتضنها فتحت عينيها رأت وجه ابنتها الشاحب أدارت وجهها لترى مصدر الطرقات إنها الساعة فلازال بندولها يتحرك جيئة و ذهاباً .
هنا دق جرس التليفون فأوقف كل شئ نظرت أمها تحثها على الرد هزت الأبنه رأسها و قالت بصعوبة :- لا .
ثم جلست بجوار أمها لتراقب بندول الساعة بدورها و تتساقط الدموع من عينيها كأنها تودع من على التليفون إلى أن صمت و صمتت معه دقات قلبها و لكن لم تصمت دقات الساعة فلا زالت تتردد في جنبات الوجود كأنها تحكي حكايتها .
رين سمير
إهداء إلى كل من أعاد للوجود الوانه