بعد مرور اثنين و ستين ثانيه من الساعة الخامسة و العشرين من الثلاثين من فبراير . بعد أن نام الجميع جلست وحيدة و قد محيت كل الذكريات من عقلي وقع بصري على مذكراتي أمسكت بها دون هدى قرأت العنوان ” ذكرى “:
بدأت أقرا ما سطرت من قبل :-
” لم تمضي سوى أيام على موت شجرتنا الكبيرة ذات الأغصان الكثيفة كم أطعمتنا الحب و جمعتنا بالحنان و كللتنا بالتسامح و الإخاء و الود .
لكم حلمت و أنا صغيرة أن أصبح طبيبه حتى اشفيها من علتها و عندما لم استطع تمنيت أن اصبح ثرية لأحقق أحلامها لكن القدر لم يمهلني .
ذهبت أتشمم رائحتها من سريرها . أتلمس طيفها من كل ركن .
أبحث عن يدها الحانية عن كلماتها القليلة ذات المعاني الكثيرة ، عن أي شئ يذكرني بلياليها الدافئة … لكن دون جدوى .
في إحدى الليالي نمت في حجرتها تتابعت ذكرياتها في عقلي تذكرت معاناتها مع المرض … تماسكها أمامنا رغم إعيائها الشديد .
حتى في اصعب أوقات الألم لم تفكر في نفسها فلقد جاءت فرصه رحله أسبوع في العريش . كان قد بلغ منها الألم اشده لكنها تماسكت و عندما ألحت أمي غليها بأن لا نسافر و نجلس معها رفضت بشدة قائله:- ” لأ مش حكسر بخاطر العيال .. دول عيال يالا بس وربنا حيقدرني “.
ذهبنا و ظلت طوال الأسبوع طريحة الفراش ، لكنها كانت تبتسم في وجهنا حتى لا تشعرنا بمرضها ، تتجاذب معنا أطراف الحديث تضاحكنا حتى ترفه عنا .
عندما أشتد بها المرض في أيامها الأخيرة كانت لا تستطيع النوم … تنهض من فراشها و تكتم أنفاسها حتى لا تيقظ أحداً . هنا اندفعت الدموع من عينيّ فتذكرت كلماتها و هي على فراش الموت :- ” ما تعيطوش ” جففت لها دموعي .. قرأت لها الفاتحة ، نمت نوماً عميقاً لم أنمه من قبل … .أراها نائمة أمامي …تستيقظ …اسمع صوت تنفسها … وقع أقدامها و هي تذهب للوضوء لصلاة الفجر كعادتها تسير أمامي بمشيتها المعهودة تتكئ على الجدران متحسسة طريقها . تضئ النور ، تدخل الحمام ، صوت مياه تنساب .. أسمعها تناديني ..أهم واقفه :- ” نعم جدتي ” … لكن أين هي … فما حولي سوى سكون الليل هنا يقطع السكون صوت الحق آذان الفجر.
أسير أنا …أضئ النور … ادخل الحمام … أتوضأ ثم اصلي كما كانت تفعل رحمها الله .”
هنا أغلق المذكرات و كأن شيئاً لم يكن … أضعها جانباً … أطفئ النور ثم أذهب في نوم عميق.
رين سمير
اهداء الي من اعاد للوجود الوانه